هو فكرة مفاجئة أو شعور ما سيحدث . فالحدس هو فهم غير شعوري لوضع بالغ التعقيد . ويذكر كارل يونغ مثالا ًفي كتابه " البنية النفسية للإنسان " يؤكد أن الإنسان إذا كان مشغولا ًإنشغالا ًشديدا ًبأية قضية وأستعصت حلها عليه في اليقظة فإن عقله شبه الواعي يستمر في العمل حتي أثناء النوم فيحصل له الحدس الخارق . فيقول : " في رأيس أن جميع الفعاليات التي تحدث في الواعية تظل تعمل في الخافية أيضا ً. هناك أمثلة كثيرة علي مشكلات فكرية استعصت حلولها في اليقظة ووجدت حلولها في الأحلام . أعرف خبير حسابات ظل مدة عشرة أيام وهو يحاول بلا طائل أن يكتشف مسألة إفلاس احتيالي وظل ذات يوم يعمل عليها حتي منتصف الليل ولكن دون أن يفلح ثم ذهب إلي النوم . وفي الساعة الثالثة صباحا ًأحست زوجته أنه نهض وذهب إلي مكتبه ، فتبعته ورأته يسجل بعض الملاحظات ثم عاد إلي سريره بعد حوالي ربع ساعة وفي الصباح لم يتذكر شيئا ً، ولما أستأنف عمله أتضح له أن علي مكتبه عددا ً من الملاحظات مكتوبة بخط يده تسوي المشكلة تسوية نهائية " .
وأما الفيلسوف الأمريكي بيري فيري في كتابه آفاق القيمة أن القدرة الحدسية التي تمكن الأدباء والرسامين وغيرهم من مبدعي الفنون هي ذاتها القدرة التي تمكن العلماء من رؤية الإتساق الذي يجمع بين الوقائع ويزيح الستار عن الحقائق .
إن الحدس موضوع فلسفي علمي دقيق ، قد يصعب إدراك معناه بالإطلاع علي قواميس اللغة العربية لأنها تعطي لكلمة (حدس ) معان كثيرة منها التخمين والظن والتوقع والتصور والفراسة . ويقال تحدس الرجل الأخبار أي تحسسها بخفية . ونم الواضح انها لا تستطيع التعبير بوضوح وتحديد عن المعني الدقيق للكلمة . ولكن يستطيع القاريء أن يفهم المعني من السياق العام .
أما الكاتب فيستعين بألفاظ أخري مثل الإستبصار والإلهام والوثوب الذهني .
والمفكر المعروف إبراهيم البليهي : يقول في تعريفه للحدس الخارق والصائب : هو ضوء يسطع في الذهن فجأة وبقوة فيفتح أبواب الحقيقة للباحثين ويمد العاملين بالإلهام ، وهو ذروة المصادر الأربعة الرئيسية للمعرفة " . وفي رأيه " إن الحدس الصائب لا يتحقق إلا بمنظومة من الشروط تضاف كلها إلي الموهبة المتوقدة : وأول هذه الشروط الإمتلاء المعرفي حول الموضوع ومعايشته معايشة حميمة وكافيه . وثانيها الشعور القوي بأهمية الحل المطلوب وثالثها الحرارة الوجدانية التي تحشد كل طاقات الإنسان المذخورة لتتلاحم في إتجاه واحد ورابعها الإستمرار في الإتجاه نفسه حتي تنكشف الحقيقة ويتحقق الحل ، وخامسها الإختمار الكافي الذي يؤدي مع التلهف إلي نضج الفكرة . وعند هذه الذروة يكون الحدس الخارق متوقع البزوغ " . وهذا بالفعل ما حدث مع تجربة الغزالي في مبدأ الشك واليقين ، وكذلك التجربة الفكرية للفرنسي الفيلسوف ديكارات . إن القدرة الحدسية ضرورية في العلم والعمل . فالعلم كما يقول باول ديفز في كتابة القوة العظمي : ينمو ويتسع في ظل الحدس والتأمل " . ويقول المفكر يوسف أسعد في كتابه الشخصية المبدعة : أن المبدع يستعين بمنهج آخر نستطيع أن نسميه بالمنهج الإستشفافي . ذلك أن المبدع يتذرع بما يسمي بالحدس . والحدس هو رؤية ذهنية وقفزة معرفية ، إن الحدس الذي يتمتع به المبدع هو نوع من الطفرة المعرفية . صحيح أن المبدع يستعين في مراحل نشاطه الأولي بالشواهد يستنتج منها ما تفضي إليه . لكنه فجأة يجد نفسه قد قفز أو طفر إلي ذلك المجهول الذي يتسم بكيف جديد تماما ً.
موضوع: ظاهرة الحدس الخارق 
الأربعاء مارس 23, 2011 7:27 pm
